في يناير 2024 صدر كتاب بعنوان “ليلة نهاية التاريخ” بقلم شادي عبد الحافظ عن دار نشر عصير الكُتب، وهو حسب الوصف المُعلن لدار النشر، تفنيد وتحليل أكثر من 200 خرافة وعلم زائف ونظرية مؤامرة، وإلى جانب ذلك يعمل على أن يُعلمك كيفية استخراج تلك الخرافات من محيطك الرقمي والحياتي. يبدأ الكتاب (بالتنمية البشرية وعلوم الطاقة العلاجية، وينتقل إلى نطاق طب الأعشاب والطعام الصحي وحميات وسائل التواصل ثم خرافات كمال الأجسام والمكملات الغذائية، ويذهب بعد ذلك إلى نظريات المؤامرة الخرافية مثل السحالي والنظام العالمي الجديد، ومن ثم إلى الأرض المجوفة والأرض المسطحة والهبوط على سطح القمر وغيرها من خرافات الفضاء، وبعد ذلك إلى علم الآثار الزائف والحضارة المفقودة والتكنولوجيا القديمة. بالإضافة إلى نقاط أُخرى). يعتبر الكُتاب كل ما بين القوسين خُرافات وعلم زائف.
يُعرف مؤلف الكتاب نفسه على صفحته بأنه كاتب ومحرر علمي وصيدلاني مصري، كتب لأكثر من منصة علمية، ويعمل حاليًا مدير تحرير لقسم العلوم والفنون والمنوعات بمنصة ميدان الجزيرة. هو كذلك مؤسس نادي هواة الفلك بالدلتا، التجمع الفلكي الأكثر نشاطًا عربيًا.
الكتاب يحوي فصلا حول الأهرامات وتوابيت السرابيوم وفكرة الحضارة المفقودة، وهو الفصل الخامس في الكتاب بعنوان “كُل شيء هادئ عند الهرم الأكبر”، ويقدم الكاتب تلك الأفكار على أنها علم زائف وجزء من الخرافات الحديثة، وبما أنني أحد من تبنوا ونشروا تلك الفكرة فقد رأيت أن أشتري الكتاب وأقرأه لأطلع عليه وأتعرف على الآراء النقدية أو الثغرات الموجودة. وبالفعل قرأت الكتاب مُتضمنا الفصل الخاص بالأهرامات والحضارة المفقودة.
للكاتب مقال مماثل على مدونة الجزيرة، وهو لا يختلف في محتواه كثيرا عن الكتاب، لكن بشكل مُختصر أكثر ومدعم ببعض بالصور.
لن أتعرض كثيرا لفصول الكتاب الأخرى، ققد قرأتها حتى أضمن أنه لم يفوتني شيء، ولأتفهم أسلوب الكاتب وفكرة الكتاب عموما.
لكن قبل مناقشة الفصل الخامس، هناك عدة يجب وضعهم في الاعتبار
أولا: الكتاب يُعتبر من الكُتب الخفيفة سهلة القراءة والاستيعاب، لكنه لا يُعد منهجيا في تفنيد ما أطلق عليه خرافات أو علم زائف، ففصوله عبارة عن تجميع لكم ضخم جدا من النقاط من مصادر وأوراق عديدة تتكلم عن نفس الموضوع. الكاتب يسرد فقط ما قرأه، لكن لا يتضمن تجارب المؤلف ولا براهينه. فلان ادعى كذا، لكن فلان آخر نشر ورقة رد على هذا الادعاء، هذا أكثر من 95% من محتوى الكتاب. الكاتب لم يعش بنفسه مُعظم التجارب حتى يستطيع الحُكم والتفنيد، وبالتالي فهو لم يغص بعُمق في أي نقطة لأنه لا يملك فيها تجارب حقيقية.
ثانيا: المصادر والمراجع والاقتباس Citation يُعتبر ثغرة كبيرة في الكتاب، فحينما ذهبت إلى قائمة المصادر للفصل الخامس مثلا، لم أجد المؤلف قد استند لأي كتاب من الكُتب التي قام بنقدها، وكذلك فإنه يستند “كثيرا” إلى أشخاص وهميين لنسب إدعاء مُعين، فيقول مثلا في أحد الفقرات : “ولنبدأ من ادعاء يقول إن العلماء وجدوا أن طول ضلع الهرم الأكبر على الأرض كذا ..”[1]، وبالتالي يكون السؤال .. من الذي قال؟ وعلى ماذا استند ؟ وهل هو شخص مؤثر، هل هو ادعاء فردي أم جماعي ؟، وبالطبع من العسير جدا الوصول لإجابات على هذا الأسئلة بسبب عدم وضع المصادر والسند.
ثالثا: يبالغ الكاتب في استعمال كلمات مثل “الخرافات، العلم الزائف، أصحاب الادعاءات، المُروجون.. ” بشكل مُكثف في الصفحات والفصول، فتشعر أن جميع الأفكار مُتهمة، وهو لا يستخدم أسلوب الإقناع، ونقد الأمر من كل جوانبه حتى يقتنع القارئ وحده دون أن يضطر أن يقرأ كلمة “علم زائف” 10 مرات في الصفحة، بل بتكرار الهجوم على الفكرة ووصفها بالزيف. كما يخلط الكاتب كثيرا بين المعلومة الخاطئة، والافتراض غير المؤكد بعد، والتصورات العامة، ويضعه كُله في خانة العلم الزائف، لقد تضخم المصطلح في هذا الكتاب حتى ابتلع أي رأي مُخالف!
رابعا : التحضير غير الجيد والاستسهال في عملية النقد، فالكاتب لم يقرأ أيا من الكُتب التي قام بنقدها بل إنه فقط اعتمد على سردية من ينتقدون النظرية وأغلبها من خلال السوشيال ميديا. فانتقد نقاطا ناقشها أصحابها في كُتبهم منذ زمن بعيد، ولكن لأن الكاتب لم يقرأ تلك الكُتب فاعتقد أنها نقاط ضعف أو أنها جديدة ولم تُناقش من قبل!
- بعض الكُتب والأشخاص الذين قاموا بنقدهم
- كتاب “لغز نجم الشعرى” – روبرت تمبل
- كتاب “لغز أوريون” – روبرت بوفال وادريان جلبرت
- كتاب “تكنولوجيا مفقودة في مصر القديمة” – كريستوفر دن
- كتاب “جذور أبو الهول” – روبرت شوك وبوفال
- أفكار وكُتب زكريا زيتشن وجراهام هانكوك وآخرين
عملية النقد – خاصة للأفكار والكُتب – ليست بالعملية السهلة القصيرة، بل تحتاج إلى وقت وصبر. والخطوة الأولى فيها هي أن تبدأ بقراءة الكتاب الذي تُريد نقده، وهذا ألف باء نقد. ثانيا يتم وضع نقاط النقد، وتبحث ما إذا كان تم الرد عليها أم لا. فلو ضربنا مثلا حول نظرية “ارتباط الأهرامات بحزام أوريون” . لقد نُشرت أو لا في في دورية بريطانية عام 1989 بعنوان “مناقشات في المصريات”، ثم نُشرت في كتاب بعنوان “لغز حزام أوريون”، وحين تم نقدها نحو عام 2000، أصدر بوفال كُتبا اُخرى تتضمن ردودا على الانتقادات السابقة وأدلة جديدة لتقوية النظرية، حتى أخر كتاب له عام 2017 حول نفس الموضوع بعنوان “أصول أبو الهول”. فإذا أراد شخصا ما نقد تلك الفكرة في عام 2024، فعليه – على الأٌقل – المرور على الإصدارات الأخيرة للكتاب، لئلا يقع في فخ نقد ما تم الرد عليه، وتلك هي المُشكلة المنهجية التي وجدتها في كتاب “ليلة نهاية التاريخ” – الفصل الخامس، والتي استوحى الكاتب نقدها من مجموعة بوستات على الفيسبوك، مع بعض مقاطع يوتيوب أو أوراق وكُتب تُهاجم النظرية. إنه مثل من أراد أن يتعرف على السياسة الروسية، فقرأ عنها من الأمريكان ألد أعدائها، وبالتالي لن تكون هناك نظرة متوازنة، لقد مارس الكاتب النقد بمنهجية زائفة.
في المُعتاد لا أحُب أن أدافع عن نظرية شخص غيري، لكن بما أني متبنيها، وقمت بالإجراءات والقراءات التي تؤكد صحة ما ذهب إليه، فسأدافع عنها. لن أمر على الفصل كله، لكن سأمر الآن على بعض النقاط التي ذكرها، وسأرد عليها، وسأضع المصادر في آخر المقال
الأهرامات وارتباط الجبار
يقول الكاتب (صـ 207)
لكي نتعرف على العلاقة بين النجوم ومنجزات البشر في هذه العصور فإن أول الدلائل هو النقوش على الجدران.. تأمل مثلا مواضع الأهرامات المصرية علئ أي خريطة، هناك نحو 120 منها موزعة على النيل شمالي وجنوبي أهرامات الجيزة، حينما قرر بعض منظري الحضارة المفقودة أن يربطوا بين نجوم بعينها وأهرامات بعينها، إنهم عادة ما يكونون انتقائيين جدا فيأخذون هرما بعينه منها ليربطوه مع نجمة محددة في السماء. .. (أتحدث هنا شكل خاص عن الادعاءات الخاصة بالأهرامات الأخرى البعيدة عن أهرامات الجيزة وربطها بالنجوم وربطها بالنجوم) .. يعني ذلك أنه لا يوجد دليل مادي واضح لإثبات وجود علاقة متعمدة بين الأهرامات وحزام الجبار، فلا توجد نصوص تؤكد ذلك رغم المصريين القدماء سجلوا نجومهم على المعابد. ولا توجد روابط واضحة بين مجمل الأهرامات المصرية على الأرض وما يقترحه مروجو الحضارة المفقودة …[2]
بشكل مُختصر ينتقد الكاتب الفكرة فيسأل أولا : أين الدلائل المنقوشة على هذا الربط ؟ – ثانيا: أين الربط مع باقي الأهرامات
الرد
- بشكل عام ليس كُل شيء مُدون، وإن دون فلم يُدون بالصيغة التي نرغب فيها، فمثلا لا يوجد نص يقول أنا الملك خفرع بنيت الهرم الثاني، ولم نعثر حتى على اسمه بداخله
- معبد الكرنك يحدث عليه تعامدا على قدس الأقداس في الانقلاب الشتوي 21 ديسمبر من كل عام[3] ، وهذه الظاهرة رُصدت فقط في التسعينات، ولم يكن هناك نص على جدار يشير لشيء مُشابه، وهذه الظاهرة ليست مكررة في المعابد، ورفضها بحجة أنها غير موجودة في باقي معابد مصر سيكون رفضا عاطفيا، نفس الشيء مع الأهرامات، عدم تكرار وجود نجوم مع 120 هرما لا يعني أن التطابق مع الجيزة إدعاء باطل.
- هناك بالفعل نصوص لم يعرفها الكاتب، من متون الأهرام والتي هي منقوشة في الهرم نفسه، تشير إلى حزام أوريون
- أيها الملك، أنت النجم العظيم الملتحق بأوريون – متن رقم 882
- ها قد جاء الملك مثل أوريون، ها قد جاء أوزير مثل أوريون – متن رقم 820
- أيها الملك، فلتعش شابا بجانب والدك أوزير، بجانب أوريون في السماء – متن رقم 2180
هذه ثلاثة نصوص فقط كمثال لكن هناك أكثر من ذلك بكثير، وكما قلنا لا تتوقع نصا من نوع “لقد بنينا أهرامات الجيزة لتتماثل مع حزام أوريون“، فأهرامات الجيزة كما هو معروف بلا نصوص أصلا، ولم يرد ذكرها إلا لماما
- يصور الكاتب النظرية كأنها لم تلق أي تأييد من أي عالم آثار، وهذا غير صحيح، فقد أيدها عالم المصريات البريطاني المعروف “إيرويرث إدواردز” الأمين السابق للقسم المصري في المتحف البريطاني ويُعتبر أجد أهم المناصب في بريطانيا أرسل رسالة إلى “بوفال” في أكتوبر 1984 كان مما جاء فيها : لقد وجدت أن ملاحظاتك الفلكية مثيرة للاهتمام، أعتقد أنك قدمت فكرة مقنعة للغاية.[4] لقد وجد “بوفال” دعما من “إدواردز” أحد أثقل الأسماء في علم المصريات في ذلك الوقت، كذلك تم تأييدها من بعض أساتذة الآثار في مصر منهم “د.إيناس الشافعي” في رسالة الدكتوراة الخاصة بها حول هرم ونيس لكلية الآثار جامعة طنطا، وقد استندت فيها لتطابق حزام الجبار مع أهرامات الجيزة، وقد صدقت اللجنة المكونة من الأثريين عليها [5]
- كذلك دراسة د. فينشينزو أوريفينو وهو دكتور من إيطاليا في الفيزياء نشر تحقيق فلكي عن الموضوع عام 2011، وأقر التطابق، بنسبة الخطأ المعقولة والمقبولة في بناء إنشاءات بهذه الضخامة، وقد وضع في دراسته نسب الأخطاء التي وصل لها بنفسه، وكتب في النتيجة (لا توجد حجج فلكية أو فيزيائية-فلكية لرفض الفرضية القائلة بأن أهرامات الجيزة الرئيسية تمثل حزام أوريون، وأن نهر النيل يمثل مجرة درب التبانة)[6]
- أما بالنسبة للتطابق مع باقي الأهرامات، فطريق طويل ما زال في أوله، وكما قلنا أن نجاح النظرية غير مشروط أن كُل الأهرامات تكون مرتبطة بنجوم في السماء، وقد أسند “بوفال” في كتابه الأول “لغز أوريون”، بالإضافة لأهرامات الجيزة، 4 أهرامات أخرين هم هرمي دهشور وزاوية العريان وأبو رواش، لكنه لاحقا ركز على الجيزة بسبب كثرة الكُتب والدراسات عليها والتي تمكن من خلالها من دعم فكرته، أما الباقين فالدراسات حولهم عنهم لا يكفي، بل وحتى وقت قريب كانوا مُغلقين، وبعضهم ما زال مُغلقا مثل زاوية العريان وأبو رواش
الخريطة المقلوبة
يقول الكاتب (ص 207ـ)
كل هذا ولم نتحدث عن مشكلة أخرى تتحدى نظرية ارتباط الجبار، وهي أنه لو قررنا فعلا البحث عن محاذاة الأهرامات الثلاثة على الأرض والنجوم الثلاثة في السماء لوجدنا أنه يجب أن نقلب صورة أحدهما لكي تتوافق مع الأخرى وهذا ما فعله بالضبط بوفال لكتابه «لغز الجبار”، فقد عكس اتجاه إحداهما ليظهر التوافق المزعوم، بل ويجب أن يتحول الاتجاه الشمالي إلى إحدى الخرائط إلى الاتجاه الجنوبي … جادل بوفال بالفعل (ومعه جراهام هانكوك وهو أحد مؤسسي الحضارة المفقودة) بأنه يجب أن يكون هناك مجال للتعبير الفني في هذا السياق، ويقصد أنه في بعض للحيان فإن التصميم لا يكون متطابقا مع الأصل لأغراض فنية فقط
وعلى موقع مدونة الجزيرة أعطى الكاتب وصف “تبرير تلفيقي” لقلب الخريطة ووضع تلك الصورة
ما سبق يدل كما قلنا – أن الكاتب لم يقرأ الكُتب التي ينتقدها
موضوع قلب الخريطة هذا هو اعتراض من أستاذ في الفلك يُدعى إد كراب، ولعل هذا هو النقد الأشهر، لأنه موجود في صفحة ويكيبيديا[7]، ففيي فيلم وثائقي من انتاج ال BBC بعنوان “بعث أطلنتس Atlantis Reborn” رد “إد كرب” على موضوع التطابق قائلا “لقد شعرت أن هناك شيئا ما خطأ في التطابق، لكي تراه، يجب أن تقلب خريطة مصر” .. وقد تكلم الموضوع بطريقة وكأن “بوفال” قد خدع الجماهير، لكن هذا ليس صحيحا
الرد
- خرائط قدماء المصريين كانت الجنوب في الأعلى، وعندنا أمثلة على ذلك، فخريطة الذهب في متحف تورين، الجنوب بالأعلى والشمال بالأسفل[8]. وهناك تابوت ور-سنيفر وعليه نقوش من الأسرة 30 في متحف المتروبوليتان في أمريكا، الجنوب أيضا في الأعلى[9]، يقر مارك لينر تلك الحقيقة “لو نظرنا للخريطة، حيث الجنوب في الأعلى مثلما نظر المصريون إلى عالمهم “[10] وهذه كانت طريقة القدماء المصريين في رسم الخرائط – على الأٌقل التي عثرنا عليها حتى الآن وللشريف الإدريسي خريطة للعالم قد رسم فيها الجنوب بالأعلى، لكن عندما سيطر الأوروبيون على العالم رسموا الخرائط على طريقتهم جاعلين أوروبا في الأعلى، فالتجاه يتغير حسب قواعد من يضع الخريطة
- بوفال” أوضح ذلك في خرائطه التي رسمها في كتاب “لغز أوريون” – أي أنه لم يخف موضوع قلب الخريطة، وفي إصدارات من كُتب لاحقة، أوضح الموضوع أكثر فأكثر[11]
- حتى ترى حزام أوريون فلا يوجد حل إلا أن تنظر إلى جنوب مصر، فكوكبة أوريون هي جزء من السماء الجنوبية، والعبارة التي ذكرها المؤلف مجتزأه ” بأنه يجب أن يكون هناك مجال للتعبير الفني في هذا السياق“، فمن الناحية المعمارية يجب أن تكون الأهرامات مع أوريون على هذه الهيئة، ولا يوجد وسيلة أُخرى
ورغم أن تلك النقطة مُغلقة من عام 2000، إلا أن البعض يُعيد نشرها مرات ومرات وكأنه اكتشاف!، وما أتعجب منه وهو أن بعد مرور كل تلك السنوات، على الردود التي صدرت في عدة كُتب لبوفال، جاء الكاتب في عام 2024 يحكي الموضوع وكأنه شيئا جديدا. وفي ظني أنه ليس هناك سوء نية، لكن كل ما في الموضوع أن الناقد لا يبحث في الموضوع بالشكل الكافي قبل أن ينقده
أبو الهول
يقول الكاتب (صـ 208)
ولأن نظرية ارتباط الجبار تفترض ارتباطا شديدا مع كوكبة الأسد، فإن ذلك يضع كارثة أمام النظرية، ففي السماء بينما توجد كوكبة الأسد في الجانب الأخر لحزام المجرة، يوجد أبو الهول في الجانب نفسه من نهر النيل مع الأهرامات، فما تفسير ذلك؟ يُمكن للبعض أن يدعي أن هذا تفسير فني من جانب المصريين القدماء بقول إن المقصود كان انعكاس كوكبة الأسد على وجه أبي الهول، ولكن بما أن نظرية ارتباط الجبار تعتمد علي دقة موضعة النجوم في السماء كشيء أساسي جذا، فإن التعبير الفني مرة اُخرى لا يمكن أن يكون رخصة يستخدمونها هنا.
أي أن تمثال أبو الهول كان المفترض أن يكون في الجانب الآخر من النيل، وعلى مدونة الجزيرة وصف هذه النقطة بأنها “أشبه بالفأس التي هوت على ما تبقى من النظرية”
الرد
- ليس صحيحا، ولا يُتشرط أن يكون أبو الهول على الجانب الآخر من النيل وهذه ليست كارثة أمام النظرية كما يقول الكاتب ولا الفأس التي هوت، فأبو الهول كان مُصمما مكانه بحيث أن ينظر لصورته في الأفق على هضبة الجيزة، وأن يكون نفس على نفس الخط مع كوكبة الأسد ولذلك جعلوه ينظر ناحية الشرق
- أطلقت الدولة القديمة على أبو الهول اسم “رو تي”[12] ومعناها “الأسدين” أو “الأسد المزدوج” [13] وبالتالي فهناك أسد آخر في مكان ما، كما أن من أسماء أبو الهول، “حور ام آخت” ومعناها “حورس في الأفق” – لقد كان أبو الهول مُصمما ينظر لصورته في الأفق، والأفق في حالتنا هذه سيكون في الجانب الآخر
- ونحن حاليا لسنا في وضع أن أُجبر القدماء على أن يبنوا أبو الهول في منطقة مُعينة، لقد بناها تبعا لخريطة سماوية رآها هو بطريقته
- نلاحظ نقطة هامة، أن ما يؤكد تلك الفكرة أن في عام 10500 ق.م كانت الأهرامات وأبو الهول موجودين في السماء في وضع مثالي، حزام الجبار أمام الأهرامات، وأبو الهول ينظر أمامه فيجد كوكبة الأسد
وفي موضع آخر يتحدث الكاتب عن موضوع تآكل ظهر أبو الهول وحوضه فيقول (صـ 209)
.. المروجين لفكرة الحضارة المفقودة عادة ما يتناسون أن هناك نظريات أخرى داخل علم الجيولوجيا تشرح ظهور تلك التعرجات بهذا الشكل، فمثلا في دراسات عدة اقترح خاريتي لال جاوري أستاذ الجيولوجيا بجامعة لويسفيل، أن التجوية يمكن أن تحدث بهذا الشكل دون الحاجة إلى مطر شديد مستمر، ولكن فقط بسبب قطرات الندى الصباحية التي تمتص في ثغرات الحجر الجيري ثم تتبخر في الصباح تاركة نوعا من الأملاح الذي يمكنه التسبب في هذا الأثر، وبالتبعية فإنه لا يزال من الممكن اعتبار أن أبا الهول قد بني في موعده الذي يحدده علم الآثار، أما جيمس هاريل الجيولوجي من جامعة توليدو الأمريكية فيفترض أن تلك التعرجات، ممكنة مع امتصاص الرمل الذي أحاط أبا الهول خلال فترة زمنية طويلة لماء المطر الطبيعي، الأمر الذي يحدث تفاعلا يغير شكل الحجر الجيري، وهذا الرأي قد اعترض عليه «كولين ريدر» وهو أيضا جيولوجي من جامعة كوين ماري في بريطانيا، وقد دخل متخصصون آخرون مثل روبرت شنايكر الذي اختص في الفيزياء والجيولوجيا إلى هذا الحوار، وافترض أن هناك دلائل على أن تلك التعرجات لم تكن بسبب المطر وإنما قصد المصريون القدماء تركها بهذا الشكل في أثناء بناء أبي الهول. ورغم أن الجدل ما زال قائما ما ين هؤلاء الجيولوجيين وغيرهم، فإن هناك إجماع بينهم على أن تقدير عُمر أبي الهول هو أمر يخص علم الآثار وليس الجيولوجيا
الرد
هنا الكاتب ينقل فقط أراء مُقتضبة وقصيرة جدا حول الموضوع، لا تمس صلب القضية في شيء، ولا تُحيب عن أي أسئلة، فلان قال وفلان رد عليه، ويتم تقديم هذا على أنه نموذج من العلم المُحايد. ورغم أني لا أجد في الاقتباس شيء يهدم نظرية قدم أبو الهول، خاصة أننا شرحنا بتفاصيل مُصورة، 4 أدلة جيولوجية على قدم أبو الهول[14] (التعرية في جسده، والتأكل العمودي في جدرا الحوض الذي يجب أن يكون ناتج عن مطر، التأكل اسفل أبو الهول الذي يبلغ 3 أمتار في بعض الأحيان، وأخيرا صُغر حجم الرأس)، بالإضافة إلى دليل نصي خامس من لوحة تُسمى لوحة الإحصاء تقول أن الملك خوفو رمم أبو الهول. ومع احترامي لكل الأسماء التي ذكرها، لم يقم أيا منهم بوضع ردود كاملة على تلك الأدلة الـخمس، كل شخص مما سبق يرد على فكرة أو اثنين، لكن نظريته لا تستطيع الإجابة على الأدلة الأُخرى، وبالطبع، بضعة سطور لا تكفي لتوضيح أي شيء
التماثيل
يقول الكاتب صـ 212
في كتابه «التكنولوجيا المفقودة في مصر القديمة، يقول الباجث والمهندس البريطاني كريستوفر دان إنه عندم زار مصر عام 1986 وشاهد تماثيل المعابد لاحظ دقة غير عادية في النحت وتماثل بشير إلى آنها من المستحيل أن تكون قد بنيت بالأساليب الطبيعية للنحت، لكنه فيما بعد صرح في أحد الحوارات الصحفية، أنه لم يستخدم أدوات دقيقة لفحص تلك الدقة الشديدة بل استخدم عينيه ويديه وكاميرا فوتوغرافية، في الواقع فإن تفنيد كلام دان لا يحتاج حتى إلى دراسات، بعض من متخصصي القياسات المتماثلة على الإنترنت دققوا في صور رمسيس الثاني ليبدو الأمر واضحا، وهو أن التماثل الدقيق جذا المزعوم غير حقيقي، التمثال بالفعل يشير إلى قدرة ممتازة في النحت، لكن كانت هناك أخطا، تماثل فتحتي الأنف مثلا واتساع ورسمة العينين وشكل الأذنين وشكل الحواجب، أخطل بشرية معتادة بالنسبة إلى النحاتين المهرة. هذا التماثل المزعوم يدعونا لنتأمل عددا من الادعاءات التي عادة ما تنشط في نطاق علم الآثار الزائف
الرد
دليل آخر أن الكاتب لم يقرأ الكُتب التي ينتقدها ولم يفتحها من الأساس، ببساطة لأن ما كتبه، هو بالضبط ما ذكره كريستوفر دن في كتابه، لكن لأنه لم يقرأه، وبدأ بالنقد نقلا عن مقالات فيسبوك وفيديوهات تُحرف الفكرة ثم تُهاجمها دون أن تعرضها بشكل مُنصف، فأخذها كما هي بنفس المصطلحات ولم يحاول حتى التأكد إذا ما كانت صادقة أم لا.
شرحنا ما قام به كريستوفر دن في حلقة التماثيل، من جلبه لكاميرا، وعمل عشرات الصور من أجل دراسة التماثل، وقد كتاب 3 فصول في التماثيل اختزلها الكاتب في عدة أسطر بشكل غير سليم. يقول كريستوفر دن في كتابه كتابه «التكنولوجيا المفقودة في مصر القديمة[15]
” إذا قمنا بدراسة الوجه بشكل أعمق، يصبح من الواضح أن الصورة العكسية ليست متطابقة تمامًا. الأنف والفم والعينان – جميع ملامح الوجه الأساسية – لا تتطابق مع الفك في المحاذاة، ومع ذلك، فإن تحريك الشفافية فوق هذه الميزات يجمعها معًا قليلًا، ولكن ليس كلها في نفس الوقت، بل تحتاج إلى حركة نصف دائرية حول التمثال“
أي أن هناك تطابقا في حدود الوجه مع فروقات طفيفة في العينين والأنف والفم، مقارنة بحجمه الضخم وضع قياساتها على التمثال بواسطة الكمبيوتر
الصور من كتاب كريس دن، ويتحدث فيها عن الفروقات الطفيفة في العينين والأنف .. نقاط تحدث عنها الكاتب وآخرون وكأنها اكتشاف لأول مرة.
حينما عرضت ما فعل كريس دن، تكلمت فقط عن حدود الوجه Jawline ثم طبقت الفكرة بنفسي على تمثال ميت رهينة، وتماثيل أُخرى، ومنها ما رأينها فيه دقة عالية ، ومنها ما هو غير ذلك وذكرت تلك العبارة في الفيديو، “إن نسب الأخطاء قليلة جدا في بعض التماثيل حتى أنك تحتاج إلى كاميرا وخطوط معيارية على الكمبيوتر في كشفها ” [16]
الغريب أن الناقد استند إلى فيديو يقوم فعلا بعمل خطوط معيارية مع عملية زووم كبيرة على الكمبيوتر من أجل توضيح الأخطاء، وهو يؤكد ما ذُكر، كشف الأخطاء يحتاج إلى كاميرات وخطوط معيارية !!
في مقال على نفس الموضوع لمدونة الجزيرة استعمل الكاتب مصطلحا آخر هو “التماثل الرهيب في وجه تمثال رمسيس”[17]. ثم يرد على ذلك قائلا : القياسات أثبتت أن التمثال غير مُتماثل لهذه الدرجة.
كما قلت أن أحد المشاكل التي واجهتني مع هذا الفصل والكتاب عموما الاقتباس غير المنهجي، فلا أعرف من صاحب كلمة “التماثل الرهيب” وفي أي سياق ؟، وما كان تخصصه؟ وهل هي من وحي خيال المؤلف أم نقلها عن شخص آخر؟ مرة أُخرى يمارس الكاتب “النقد الزائف”. يستحضر مصطلحات مغلوطه وُيحرف الفكرة بسبب أنه لم يطلع عليها، ثم يهاجمك.
في بود كاست لكريستوفر دن مع آدم سكوفيلد، يقول : … اتضح ان لا أحد يقرأ، والكل ينتقد بناء على فيديو قام بتحريف الفكرة [18]
كذلك من الأخطاء المُنتشرة والتي استقاها الكاتب هو الأعتقاد أن أدوات مُتقدمة أو آلات في النحت معناها صفر أخطاء، هذا كلام مغلوط تماما، كل شيء به نسبة خطأ، بل وحتى المنحوتات الحديثة بها أخطاء، لكن قلة نسبة الأخطاء هي المعيار، وضربنا أمثلة، بتمثال محمود مختار، المعمول بماكينات، والتماثيل المنحوته حديثا في الأقصر، وقد عرضناها، كل ذلك بأخطاء، لكننا نُقارن نحت القدماء بالنحت الحديث، فنجد نتيجة مشابهة، واستعرضنا أراء بعد النحاتين في حلقة التماثيل، لكن كُل ذلك يتم تجاهله ويتم التركيز على نُقطة مُحرفة
النقطة الأخيرة حول عبارة الكاتب أن دن “لم يستخدم أدوات دقيقة لفحص تلك الدقة الشديدة، بل استخدم عينيه ويديه وكاميرا فوتوغرافية”
وهو بالفعل ذكر ذلك أكثر من مرة، أنه استخدم ما هو متاح، مثل التصوير الفوتوغرافي ونظم الحاسب، لكنه يأمل في المستقبل أن يُتاح مسح ثُلاثي الأبعاد للتمثال، ولا أجد مُشكلة في ما قال
وعلى أي حال، لقد كان التماثل (الذي هو جزء من فلسفة القدماء Bilaterial Syemmetry) جزء صغير من التحديات الكثيرة في التماثيل، صلادة الأحجار ، الضخامة، الصقل الناعم، استدارة التيجان، تفاصيل الأصابع والثنايا – وحتى الأن لم أجد أحدا من المُنتقدين للفكرة بنحت تمثال من مواد عالية الصلادة، يستند الكاتب كثيرا لتلك العبارة، “قالوا الجمل طلع النخلة، آدي الجمل وآدي النخلة” .. فلماذا لا يقوم أحدُهم بتطبيق هذا المثل طالما الموضوع بهذه السهولة، فيقوم بنحت تمثال، حتى بحجم رأس خفرع بنفس المستوى بالنحاس والحجر أم أن الجميع أصبحوا خبراء في النحت النظري فقط ويركزون على النقد بدل من العمل خشية من رؤية أنفسهم وهم يعجزون ؟!
هندسة وبتاء الأهرامات
يقول الكاتب في مقال على في موقع الجزيرة [19]
لا تزال الأدوات التي استُخدمت في بناء الأهرامات موجودة في المتاحف المصرية، ومن جهة أخرى فإن الحجر المستخدم في بناء الأهرام (الحجر الجيري) يسهل قطعه ونحته بدون حاجة إلى تقنيات متقدمة، لعلك لو تأملت قليلا لوجدت أنه، رياضيا، يمكن تبرير الكثير مما يُطرح بوصفه “غرائب” أو “أعاجيب” بناء الأهرامات، وفق أدوات وتقنيات ابنة وقتها. مثلا، يمكن بسهولة ضبط اتجاه الهرم ناحية الشمال بدقة لو كنت تعرف أبسط المعلومات الأساسية عن حركة نجوم السماء. يمكن كذلك أن تقوم ببناء زوايا قائمة دقيقة إذا امتلكت معرفة رياضية بسيطة عن طبيعة المثلثات، والواقع أن قدماء المصريين -والحضارات التي كانت موجودة في تلك الفترة عموما- امتلكت قدرا مناسبا من تلك المعارف. تأمل مثلا بردية رايند الرياضية، وهي لا تزال محفوظة إلى الآن في المتحف البريطاني في لندن، مع الكثير من الآثار المصرية، لدرجة أنك لو دخلت إليه لظننت أنك في المتحف المصري. تاريخ البردية يرجع إلى سنة 1550 قبل الميلاد، وهي أحد أهم الأمثلة على المستوى المتقدم الذي وصلت إليه الرياضيات في مصر القديمة، وستجد فيها صورا من جمع الكسور مثل 2 على 3 تساوي 1 على 2 زائد واحد على 6، إلخ، ونماذج لحساب حجم مخازن الحبوب الأسطوانية والمستطيلة، ومساحات قطع الأراضي.
هنا نجد الكاتب يُثير نقطة لم يُثرها أحد، فهو يقول أن الحجر الجيري يسهل قطعه دول الحاجة لتقنية مُتقدمة، وهي مُغالطة معروفة بإثارة الانتباه في ناحية لم يثرها أحد، فالخلاف ليس في قطع الأحجار الجيرية على الاطلاق، لكن في الأحجار الصلدة والأحجام الضخمة والمشكلة الأخرى برفعها إلا ارتفاعات عالية جدا، دائما يذهب من يريد نقد الفكرة إلى أسهل جزء، الجزء المُتفق عليه من الجميع، ويفتعل النقاش حوله. ثم يتكلم الكاتب عن العمليات الرياضية الهندسية في استخدام الهرم وأنها سهلة ومعروفة، في الواقع أن المتحف المصري نفسه يُقر أن الأدوات لم يتم تسجيلها أو العثور عليها،
جزء من لوحة المتحف المصري – الطابق الثاني – صالة الأدوات – تصوير أحمد عدلي
يضع الكاتب صورة فيديو لشخص يرفع عمودين يزن كُل منهما 10 طن، على أي حال رفع الرومان والانجليز مسلات 200 و 300 طن بطُرق مشابهة وعرضنا ذلك في السلسلة[20]، لكن أدعو الكاتب أن يشاهد تجربة فريق نوفا لبناء هرم صغير بارتفاع 6 متر، وإقرار الفريق أن طريقة الـ Levering غير فعالة وغير آمنة، أثناء بناء الأهرامات، مع العلم أن فريق نوفا لم يستطع بناء هرم بارتفاع 6 متر واضطر في النهاية للاستعانة بمُعدات وآلات حديثة غير أن هذا لم يُنشر في الفيلم وذكر لاحقا في كُتب عدة من قبل القائمين على الفيلم أنفسهم[21]
يتكلم الكاتب أيضا عن تسلسل بناء الأهرامات فيضع صورة للتسلسل، لكن الصورة بها خطأ، إنه وضع مصطبة شبسسكاف قبل الهرم المُدرج، في حين أنها بُنيت بعد هرم الجيزة الثالث، ولعل أحدُ قد يعتقد أننا نتربص ونتصيد الأخطاء. في الحقيقة أن هذه الصورة التي وضعها الكاتب أبلغ دليل على وجود خطأ في تسلسل الأهرامات، إذ كيف بعدما وصلوا لقمة البناء في أهرامات الجيزة، حدث انحدار وعادوا مره أُخرى للمصاطب، كمان أنه يضع بالطبع على الهرم المُنحني (أنه ذو أخطاء) رغم عدم وجود أي دليل أثري على تلك المعلومة الخاطئة الشائعة. لكن هذا يوكد ما ذهبنا إليه حول علم المصريات عموما، أنهم يعتبرون الصواب ما هو شائع حتى لو كان مغلوطا وبلا دليل
أشعر بالغرابة أن مُضطر لتوضيح تلك النقاط بسبب ضعف تحضير الكاتب أثناء كتابته لذلك الموضوع وعدم إلمامه بكل تلك النقاط والتي هي معروفة ومنشورة
توابيت السرابيوم
يقول الكاتب صـ 213، 214
أحد أشهر الادعاءات التي يفترضها بعض المروجين لعلم الآثار الزائف مؤخرا تتعلق أن الزوايا بين أضلاع توابيت السيرابيوم الداخلية والخارجية وأسطح التوابيت كانت مصتوعة بتماثل وعناية ودقة شديدة بحيث لا يمكن أبدا أن يكون ممن صنعها بهذا الشكل اتحاث لا بد من تدخل تكنولوجيا متقدمة استخدمت الليزر لنحتها، واستخدمت رافعات الكترونية لإدخالها في الممر الضيق … وفي عام 1850 أعاد أوجست مارييت اكتشاف السرابيوم . ونقب فيه لسنوات واستخرج آلاف الأشياء من بينها اللوحات التي تشير في أغلب الأحيان إلى فترة ولادة الثور وعُمره وسنة تنصيبه المعبد مع تحديد عهد الملك.. كانت هذه هي أول ملاحظة تفند ادعاء مروجي علم الآثار الزائف بأن هذا المكان لم يصمم كمقبرة لثيران مقدسة (مع ملاحظات أخرى مثل أن ن التوابيت نقش عليها نصوص واضحة يمكن أن تراها بنفسك لو قررت زيارة سيرابيوم سقارة)، أما الملاحظة الثانية لمارييت فهي رصد آثار لكرات خشبية على أرضية الأروقة مع قضبان مزدوجة وضعت عليها، ما يعني أن التوابيت دُحرجت عليها، ووجد مارييت كذلك رافعتين خشبيتين أفقيتين، كل واحدة منهما تعمل بثمانية أجزاء للرفع، وهي دافعات ساعدت في شد التوابيت التي وؤضعت بها الثيران بأحبال طويلة لكي تصل إلى مكانها.. ويفند هذا الدليل الأثري بشكل واضح خرافة أخرى تقول إن وزن توابيت السرابيوم (عشرات الأطنان) مع ضيق المكان داخل المعبد يمنع أن يدخل عدد كبير الرجال الذين حملوا التابوت للداخل، ثم تجري النظرية أن الغموض في تلك النقطة يُدلل على “رافعة الكترونية” حركت التوابيت إلى داخل المعبد، لكن الدليل واضح جذا فتلك التواييت لم ترقع بل شدت على بكرات، وصفها مارييت بوضوح، حتى إنه وصف كيف وضعت تلك التوابيت في غرفها، حيث ملئت الغرف بالرمال حتى مستوى الردهة بحيث يمكن نقل التوابيت بشكل آفقي، ثم تزال الرمال تدريجيا لإنزالها بلطف. وفتما للوحة وجدت في السرابيوم، استغرق نقل أحد التوابيت وغطاؤه إلى غرفة الدفن 28 يوم عمل، السابع والثلاثين لبطليموس الثاني، نحو 247 قبل الميلاد، هلا تلاحظ ذلك؟ مرة أخرى فإن مروجي علم الآثار الزائف يمارسون أحد ملامح العلم الزائف وهو تجاهل الأدلة الأخرى، وانتقاء ما يناسب فرضياتهم فقط وهذا أمر غير علمي على الإطلاق، لوحات السيرابيوم موجودة وبياناتها موجودة وقد كنب مارييت أكثر من كتاب عن الأمر منها وأشهرها «سيرابيو م ممفيس» Le Sérapéum de Memphis يمكن لك ولأي أحد مع بعض الجهد تتبع كل ما عرفه مارييت عن تلك المقابر
ملاحظات قبل الرد
- الكاتب لم يقرأ كتاب مارييت، هو قرأ فقط ما هو مُتاح منه على ويكيبيديا، أما أنا فقرأت كتاب مارييت كاملا وأعرف بالضبط ماذا قال مارييت من فمه، وليس من تحليل فلان أو علان
- قام الكاتب بعمل تفريغ لفيديو عن السرابيوم من قناة روسية بعنوان : عُلماء ضد الخُرافة، ولم يقم بأي إجراء تمحيصي بنفسه، فلان قال، وفلان رد عليه
- قُمت بعمل فيديو في يونيو 2024 بعنوان : مناقشات حول انتقادات سلسلة الحضارة المفقودة بطول ساعة ونصف، وخصصت أكثر من 30 دقيقة للرد على هذا الفيديو، لم يشاهده الكاتب، لأنه كرر نفس أخطاء المصطلحات التي رددت علي من قبله فيها، وأخذها كما هي
- قام الكاتب كما فعل من قبل بعمل تحريف واجتزاء للفكرة نتيجة موقفه بالأساس، فهو لم يزنها بميزان مُنصف، إنه مُتخذ موقف ضدها من البداية، لقد ذكر كلمة زائف وخرافة في المقطع السابق 5 مرات رغم سطوره القليلة
- أعتقد أن الكاتب لم يزر السرابيوم قبل كتابة هذا الفصل فهو أخطأ في وصف التوابيت من الخارج مما يدل أنه لم يشاهدها على الطبيعة
الرد
- توابيت السرابيوم من الداخل مصنوعة بعناية شديدة بالفعل، لكن هناك إهمال عجيب من أسطح وزوايا الخارج (عكس ما قال الكاتب)، ومن الممكن أن يظن أحد انها تفصيلة هامشية، لا، لأن الطبيعي في عمل توابيت للمعبود أبيس، أن يكون – على الأقل – مُتقن من الخارج، أما أن يكون مُهملا من الخارج ومُتقن من الداخل فهذا يُخالف ما هو معروف عن توابيت مصر القديمة التي تُتستخدم للدفن والتي كانت مُزينة ومحلاة من الخارج، من أجل المتعبدين والكهنة .. وهذا يضع جزء من الشك في ماهية التوابيت
- أي طالب في كُلية هندسة يعلم أن الليزر لا يُستخدم في قطع الأحجار، وإنما يُستخدم في قطع المعادن إذ يصاحبه حرارة عالية، ويُمكن أن يُستخدم في النقش الخفيف على بعض الأحجار كذلك (إقحام كلمة ليزر في قطع الأحجار هو استناد مغلوط لم يتحدث به متخصص)، كما أن أي فني أيضا يعرف أن ماكينات قطع المعادن بالليزر بها أيضا نسبة أخطاء deviations، فلا يوجد آلة بلا أخطاء في العمل
- لا يوجد ما يُسمى “رافعة الكترونية“، لعل الكاتب يقصد “رافعة ميكانيكية” ، ولم أقل أنهم استعملوا رافعة الكترونية ولا ميكانيكية، العبارة التي ذكرتها نصا هي : علشان ننقل تابوت زي كده النهارده، الطريقة المتاحة هي عربة اسمها فورك ليفت، بترفع لحد 65 طن لأنها بتقدر تتحرك في أماكن ضيقة نسبيا وترفع أوزان ضخمة .. هما بقا استعملوا ايه؟[22] هذه هي العبارة التي استعملتها، قام الكاتب بتحريف العبارة إلى أني قلت “لا بد انهم استخدموا رافعات الكترونية لإدخالها“؟
- حول وظيف التوابيت، ذكر الكاتب أن اللوحات التي عثر عليها مارييت تدحض كُل المزاعم حول وظيفة التوابيت، إذ أن اللوحات قد كُتب عليها تفاصيل أبيس، وكذلك التوابيت . خلط الكاتب بين شيئين، بين الوظيفة الأصلية، وبين إعادة الاستخدام، لا أعلم شخصا ينفي أن توابيت السرابيوم قد استخدمت في العصور المتأخرة في عمليات تأبين أبيس، لكننا نتحدث حول الاستخدام الأول، إنها مثل آيا صوفيا كما وضحنا، أيا صوفيا كانت كاتدرائية، ثم مسجد ثم متحف، لا يختلف أحد أنها الآن متحف، لكن ماذا عن الاستخدام الأول؟، الآن نأتي لكلام مارييت نفسه حول السرابيوم أنه كان موجودا قبل أبيس فيقول في كتابه سرابيوم ممفيس: “تقديري أن الحفائر في سرابيوم سقارة أدت إلى اكتشاف 7 آلاف لُقيا أثرية.. لكن ليس كلها تتعلق بعبادة أبيس، إنها بُنيت في مقبرة أقدم منه، لقد احتوى السرابيوم داخل جدرانه على مقابر قديمة احترمها المصريون علاوة على ذلك كانت جميع جدرانه تقريبا مصنوعة من أحجار مستعارة من مباني تم هدمها بالفعل “ [23]، بالطبع هناك أدلة أُخرى بخلاف رواية مارييت، أن عبادة أبيس حدثت في مقبرة أقدم منها، وما يدل على ذلك أيضا لوحة بسماتيك التي ذكر فيها أنه رمم الصالة “ثم أصدر جلالة الملك أوامره بإجراء تجديد في معبده. لقد أصبح أجمل مما كان عليه من قبل“[24]
- وكما ذكرنا، ليس هناك أي تعارض أن يكون قد اُعيد استعمال السرابيوم في دفنات، ولوحات التكريس، التي كُتبت على 4 توابيت .. إلخ .. تماما مثلما حدث إعادة استعمال للأهرامات في دفنات لا تخصها.
- بالنسبة لطريقة النقل، اُنظر ماذا قال مارييت على طُرق نقل التوابيت : “مقاييس التوابيت الجرانيتية المستقرة تحت الأرض مُبهرة، يصل وزنها إلى رقم هائل 65 طنا، يقودني هذا إلى سؤال مثير للاهتمام يتعلق بالميكانيكا القديمة، وهو كيف كان بإمكان المصريين ذلك أدخلت هذه الكتل في أعماق ممر تحت الأرض وداخلها التي من المؤكد أنه سيكون من الصعب للغاية عملها حتى بمساعدة أكثر الآلات إبداعًا في الميكانيكا الحديثة “[25] مع عام 1851، وهو عام اكتشاف السرابيوم، كانت الثورة الصناعية قد قطعت شوطا جيدا وظهرت الأوناش والروافع الهيدروليك والتروس الميكانيكية والسكك الحديدية، من حسن حظ مارييت أنه لم يأتي من يُحرف كلامه إلى شيء آخر.
- . . هذا كان أول انطباع لمارييت، وهذا انطباع أي شخص حينزل السرابيوم .وقد اعدت صياغة العبارة منه، .. مارييت لم يعثر على شيء لا آلات ولا روافع، وجد فقط ونشين خشب أفقية، وقال انها قد تكون قد استعملت في نقل الصناديق. ووجد اثار اسطوانية على الأرض، بروجش ذكر لقا آثر لخطين على الأرض، سماهم ريل واي، يعني زي خطين سكه حديد، لكن للأسف لا يوجد معلومات اضافية .ليس لهم صور، وحتى أثارهم اليوم انمحت من الأرض ولا وجود لها ،بمعني واضح انهم كانوا علامات ضعيفة، نعلم أن تلك الطريقة قد استخدمها الرومان في نقل المسلات والأعمدة، لكن الصعوبة في السرابيوم انه ضيق، لا يستوعب عدد كبير كبير من العمال . بلزوني ذكر في كتابه (بلزوني في مصر) انه استعان بـ 130 عامل في سحب تمثال رمسيس على اسطوانات خشبية بنفس الطريقة، وهناك لوحة تصور عملية السحب فحسب الرسمة ان التمثال كان يُجر تقريبا بواسطة من 40 لـ 50 عامل والباقي ربما كان لتجهيز السفينه لنقل التمثال وأعمال اخرى، فكيف تبنى الفيلم الروسي نقل تابوت 45 طن، بنفس العدد وبنفس الطريقة ؟!!! .. فالأرقام اللي هو حطها في المعادلات دي متفائلة جدا
- ما قدمته أن الأوناش قد استعملت في فتح أغطية التوابيت من أجل العثور على الكنوز، وأماكنها ما زالت موجودة، لكن مارييت لم يعثر على أي شيء لأبيس في التوابيت، لا مومياء، ولا مذهبات ولا غيره
اقبتاس آخر، يقول كاتب صـ 214
كُل هذا ولم نتحدث بعد عن أن زوايا وأسطح التوابيت لم تكن متماثلة بدقة رهيبة كما زعم البعض لكنها بالفعل دقة ممتازة، إلا أنها ممتازة في نطاق البشر في ذلك الوقت، وفقا لمتخصص الأنثربولوجيا الروسي الكسندر سوكولوف فإن القياسات الدقيقة للزوايا كان بها بعض من الاختلاف ..الزوايا الداخلية للتابوت بيم 90.8 و 91.4 .. والخارجية 89.1 و 90.8 ،فروق طفيفة لكنها بالطبع ممكنة ليدي إنسان مقارنة بهؤلاء الذين يدعون أن الفارق صفر
الرد
- مرة أُخرى يستعمل الكاتب مصطلحات خاطئة، لا يوجد ما يُسمى دقة رهيبة، وهي لا تعني أي شيء، ولم يستعمل أي متخصص تلك المصطلحات
- كما ذكرنا من قبل، توابيت رقم 14، و12، أعطت نتائج أعلى من توابيت أُخرى، ولا مشكلة على الأطلاق أن تكون هناك اختلافات طفيفة، ورأينا بعض الأخطاء في كتل الجرانيت عند معبد أبو الهول في حلقة المعابد (حلقة 11 – الحضارة المفقودة)
- لم يدعي أحد هناك ما يُسمى “الفارق صفر”، قلنا أن الزاوية الداخلية لأحد التوابيت 90.0، وهو الرقم المُسجل وأضلاعه الداخلية (3.091 متر، 1.495 متر) ، والتوازي بنسبة خطأ قياس الجهاز 1 مللي لكل 50 متر، وهو قطعا لم يتم فقط بواسطة اليد كما يقول الكاتب، ويجب أن تكون عملية “الحفاظ على الاستقامة”
- الكاتب معذور فهو لا يملك أي خبرة هندسية من أي نوع، ويعتقد أن مشاهدته لفيديو أو اثنين يكفي، ويظن أن الأخطاء الطفيفه هي دليل قاطع على الأدوات البدائية، بالأسفل مجموعة من القياسات لمقاعد جرانيتية حديثة من روسيا، تم قطعها في الـ 40 عاما الأخيرة من قياسات الفيلم الروسي نفسه
بعض قياسات السرابيوم | بعض قياسات لمنحوتات حديثة في روسيا (قياسات الفيلم الروسي) |
|
|
- ملحوظة هامة : تبنى الكاتب ودافع أن الوسائل البدائية هي التي اُستعملت في عمل التابوت، ولم يقدم أي تجربة عملية على ذلك تُعطي نفس الدقة ونفس الأخطاء الطفيفه. فهو لم يطبق أي خطوة للعلم التجريبي
- قُمت بعمل فيديو أسئلة وأجوبة حول تلك النقاط وأكثر ويُمكن الإطلاع عليه، إذ يبدو كما قلت أن الكاتب نقل دون أي عملية تفكير أو تمحيص أو تأكد لما ينقل
سياسة قلب الترابيزة
كرر الكاتب في أكثر من موضع في الفصل أن أصحاب الأفكار الجديدة ” .. يلجأون إلى المجال العام، مثل الكُتب والوثائقيات، ولا يتبعون النهج العلمي في النشر عبر الدوريات الموثوقة حيث يتم مراجعة تلك الأفكار من خلال الأقران.. ”
وبهذا فيعتبر أن ما يُكتب يندرج تحت العلم الزائف لأنه غير مُعتمد
ما قاله الكاتب غير صحيح من عدة نواحي..
أولا : إن مُعظم ما وضعه عُلماء الآثار والمصريات من فرضيات كان أراء في كُتبهم دون اثباتات كافية، ولم يُنشر في دوريات، ومع ذلك أصبح راسخا عسير التعديل، وسنضرب عدة أمثلة
في أوائل القرن الـ 20 جاء لمصر الإنجليزي “ريجنالد انجيلباك” وعمل قليلا مع الأثري المعروف “فلندرز بتري” ثم مضى في طريقه وظل يترقى في منصبه حتى وصل إلى أن أصبح كبير المفتشين لآثار مصر العليا. ومن ضمن دارسته عن المسلة الناقصة في محجر أسوان، وكان من أوائل الذين تبنوا أن المسلة نُحتت بحجر ديوريت بالضرب والتكسير في الجرانيت، ونشر كتابين بعنوان “المسلة الناقصة” وكتاب آخر بعنوان “معضلة المسلات” كلاهما باللغة الإنجليزية وتبنى فيهما تلك الفرضية ..
هل نشر “انجيلباك” ورقة في الدوريات من اجل مراجعة هذه الطريقة ؟ – الإجابة لا
هل هناك تجربة حدثت على نحت ولو مسلة صغيرة كاملة بطريقة انجيلباك ومقارنة مستوى ونتائج القطع ومستوى الصقل والاستقامة ونسب الأخطاء بين المسلة الأصلية والتجربة والوقت المُستغرق (7 أشهر حسب ما كُتب على مسلة حتشبسوت) ؟ – الإجابة لا
أولم يكن من المفترض أن ينشر أولا في دورية علمية تخصصية؟ ورغم ضعف الفكرة، تحول النحت بكرات الديوريت إلى “قدر”. وأصبح الإجابة السحرية في نحت كُل الأثار المصرية، توابيت، تماثيل، أوعية، كلها اتنحت بكرات الديوريت.
تكرر الكلام بحذافيره مع “دينيس ستوك” في كتاب “تجارب على الأثار المصرية” وقام في الكتاب بمجهود طيب، يُشكر عليه لكنه لم يقارن إنتاجه بإنتاج مصر القديمة المُختلف في الصقل وعُمق سن الأداة ومعدل التغذية، وأيضا لم ينُشر طريقته تلك في دورية
هل أنا مطالب الآن بتفنيد كُل تلك الأساليب المغلوطة المقترحة في أوراق ؟ من اقترح الفكرة هو المطلوب منه نشرها وتجربتها وتأكيدها
أغفل الكاتب عشرات النقط التي قام أصحابها المُكتشفين الأوائل بالخروج “للنطاق العام” حسبما يسميه بأفكارهم وأرائهم المغلوطة التي تحولت إلى واقع، ولم يطالبهم بنشر أراءهم في دوريات للمراجعة مع الأقران .. وأبرز تلك الأفكار
- اعتبار الغرف الخمسة الصغيرة في الهرم الأكبر هي غُرف لتخفيف الأحمال (هاورد فايس وجون بيرنج)
- اعتبار ان الهرم المُنحني مرحلة أو حدوث خطأ في التنفيذ، أو تغيير في التصميم (جون جاردنر)
- اعتبار أن خفرع هو أبو الهول (جورج رايزنر)
- نحت المسلات تم بكرات ديوريت (انجيلباك)
- سحب توابيت السرابيوم في الممرات والغرف الضيقة (مارييت)
وهناك نقاط عديدة أخرى التي لا يتسع لها المقال، كتسلسل بناء الأهرامات، ونحت الأوعية الجرانيتية.. الخ
كلها هبطت بالبراشوت من الأثريين الأوائل دون تمحيص كافي ولم تُنشر في دوريات من أصحبها للمراجعة وتحولت إلى واقع
ثانيا: هل نشرها في دوريات يكفي للاعتراف بها .. هل بهذا ستأخذ جواز المرور إلى كُتب الآثار؟ الإجابة لا
نأخذ بعض الأمثلة، في عام 2015 في مجلة ” دراسات في الثقافة المصرية القديمة”، العدد 44 نشرت دراسة بعنوان “الهرم المُنحني في دهشور، مشروع فاشل أم تصميم مُتعمد” للآثري الإيطالي د. ماسيميليانو نوزولو ، وقد قام بدراسة على الهرم المُنحني ووضع نتيجة الدراسة أن الهرم المُنحني كان مُصمما ليكون بهذه الصورة من بدايته وليس تعديلا، والدراسة peer-reviewed
هل صنعت الدراسة أي فرق في الكُتب اللاحقة للآثار ؟ لا، ما زال الهرم المُنحني يُعتبر مرحلة أو مُعدل أو خطأ، تجاهل الجميع تلك الورقة ولم يدرون بها، بمن فيهم الكاتب الذي اعتبر أن الهرم المُنحني مرحلة غير ناجحة
مثال آخر، وهي دراسة صناعة الأحجار، بطرق كيميائية، والتي تبناها “جوزيف دافيدوفيتس” ونُشرت في عدة أوراق ومؤتمرات أيضا، ومع ذلك يتم تجاهلها بالكامل بل والهجوم عليها، وكأنها لم تُستخدم حتى ولو جزئيا، ولم يشفع لها كونها نُشرت في أوراق، القائمة (الطاقة المولدة من الجرانيت، تآكل أبو الهول..) نُشرت في أوراق تم مراجعتها من زملاء وأقران ومع ذلك يتم تجاهلها
والأمثلة تطول هنا أيضا، من أوراق منشورة في دوريات معروفة لم تجد أي صدى
إذا فنرى نتيجة لما سبق، أن ليس كٌل ما ينشر في الأوراق والمجلات يؤخذ به، وليس كُل ما يُنشر في الكتب الأثرية هو بالضرورة مُراجع وحقيقي وعلمي، والتغني بالنشر في الدوريات والمجلات واعتبارها القناة الوحيدة هي اوهام، ولا يقوم بها الأثريين أنفسهم، ويحضرني هنا علوما خرجت من كُتب أثارت خلفها موجات من المعارف، مثل كتاب نيوتن “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية”، والذي ما زال مصدرا للملايين حول العالم، وكتاب داروين الأشهر “أصل الأنواع” ..
ولا يعني ذلك التقليل من أهمية النشر الدوري في المجلات والمؤتمرات، لكننا ننتظر كنا ننتظر من الأثريين أن يقوموا بذلك أولا، وهو ما لم يحدث في كل الفرضيات الضعيفة القديمة والتي أصبح من العسير تغييرها ولا حتى بالنشر الورقي الاكاديمي، وبهذا فرأي الكاتب حول موضوع النشر يجب أن ينادي بتطبيقه أولا على الآخرين، ويا حبذا لو بنفس الحماسة والغيرة العلمية الشديدة: )
الختام
انتهت الردود من ناحيتي
هناك نقاط اُخرى حول الهرم، لكنها تدور في نفس النقطة، قال فلان والرد عليه، وكلام عام مُرسل حول أشخاص بلا توثيق
في مقابلة عام 1995 استضاف المُذيع “ديف ليترمان”، رجل الأعمال الأمريكي المعروف “بيل جيتس” وكان يريد أن يسخر قليلا من الانترنت التي كانت شيئا جديدا حينذاك فبدأ بعبارة عن نفسه قائلا : “من السهل أن تنتقد شيئا لست مُلما به” . ولقد وضعت في هذه الصفحة، روابط للكتب التي ذكر الكاتب اسمها ولم يقرأها، وأتمنى أن يقرأها هو وغيره، قبل أن يندفعوا بحماسة لنقد ما لم يتعرفوا عليه.
الكتاب في مجمله يُذكرني بكتاب “الإنسان الحائر بين العلم والخرافة” للكاتب د.عبد المُحسن صالح، وبرغم أن الكاتب قد أصاب في مواضع، إلا أنه قد أخفق في أخرى بسبب أن لم يعش التجربة بنفسه، وإنما نقل عنها، والذي ينقل هو في الأغلب ضحية للناقل.
لم يكن النقد في هذا الفصل غريبا علي، كُل ما جاء فيه كان مكررا من فيديوهات يوتويب وبوستات فيسبوك، وجميعهم وقعوا في نفس الأخطاء المكررة، لا يقرأون، ثم يعلنوا عن الأخطاء وكأنها اكتشاف، إنهم ينسخون الكلام من بعضهم البعض ويعيدون صياغته، بشكل ينعدم فيه الإبداع. إن مواقع التواصل عموما عُمرها قصير، أي أن أي بوست أو فيديو، لن يزيد عُمره عن شهور أو سنوات على الأقصى ثم سيُحذف أو سيغلق صاحبه الحساب أو ستتجاهله الخوارزميات، لكن الكتاب يبقى، فإذا ما كان الكتاب ضعيفا أو يبتع منهجا خاطئا في النقد، فسيكون عبء على كاهل صاحبه وعلامة أنه لم يراجع الأفكار الأساسية التي سيبني عليها كتابه.
ما أسهل الكلام وأصعِب بالفعل، قد أعلنت ذلك بالفعل عدة مرات من خلال القناة، وأعلنها من قبلي كثيرون هذا التحدي:
- نحت رأس بحجم رأس تمثال رمسيس الثاني، أو حتى رأس خفرع بالنحاس والحجر، على أي يُعطي نفس النتائج التي نراها في المعبد أو المتحف، تفاصيل بديعة ملساء، نسب أخطاء طفيفة وتكلفة المادة الخام ليست كبيرة علي أي حال
- نحت وعاء حجري من الديوريت بنفس المستوى الذي كانت عليه أوعية قبل الأسرات
- نحت تابوت، حتى لو 10% من حجم توابيت السرابيوم بنفس المستوى والحجر
- نحت مسلة ولو بطول متر ونصف بنفس مستوى مسلات الكرنك.
مع الأخذ في الاعتبار شروط التجربة الناجحة:
- استعمال نفس الأدوات المفترض توفرها في عصر الدولة القديمة والحديثة (النحاس – الحجر – الخشب – الماء)
- عمل مُنتج في نفس المستوى، حتى ولو بحجم أصغر (التجارب التي نراها تقوم بـأقل من 1% من العمل وتزعم أنها نُحتت هكذا)
- النحت في وقت قياسي مناسب (مسلة حتشبسوت نُحتت في 7 أشهر، تابوت السرابيوم بأكمله المتفرض انه نُحت في أقل من 4 أعوام.. إلخ
إذا حدث ذلك فسأقر بنجاح التجربة وعدم وجود أدوات غير معروفة أو تكنولوجيا مُعينة أو غيره – أوليس ذلك إدعاء محفوف بالمخاطر؟
وما زال السؤال يلح علي، كيف انتقد الكاتب كُتبا لم يقرأها ؟!!
المصادر
- شادي عبد الحافظ، ليلة نهاية التاريخ (2024)، صـ 212 ↑
- شادي عبد الحافظ، ليلة نهاية التاريخ (2024)، صـ 207 ↑
- Sparavigna, Amelia Carolina , The Karnak Temple and the Motion of the Earth’s Axis (2016) ↑
- Bauval, Orion Mystrey, ↑
- إيناس الشافعي، كتاب سفرت – حتبت بهرم الملك أوناس، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الآثار المصرية ، جامعة طنطا (2022) صـ 8 ↑
- Orofino, Vincenzo, Università del Salento, A quantitative astronomical analysis of the Orion Correlation Theory, Sept 2011 ↑
- نقد نظرية ارتباط الجبار ↑
- Harrell, J.A. and V.M. Brown, 1992a, “The world’s oldest surviving geological map – the 1150 BC Turin papyrus from Egypt”, Journal of Geology 100 (1992), pp.3–18. ↑
- Sarcophagus of Wereshnefe, Met museum, https://www.metmuseum.org/art/collection/search/549534 ↑
- Lahner, Mark, The Complete Pyramids (1997), p. 82 ↑
- Bauval, The Orion Mystrey (1994), p.90. ↑
- سليم حسن، أبو الهول، 1926، صـ 132 ↑
- المصدر السابق، ويمكن مراجعة قاموس جاردنر حول كلمة rwti ↑
- أحمد عدلي، سلسلة الحضارة المفقودةـ حلقة 3، أبو الهول ↑
- Dunn, Christopher, The lost technology of Ancient Egypt (2010). p 48-52 ↑
- أحمد عدلي، سلسلة الحضارة المفقودة، حلقة 6 التماثيل ↑
- شادي عبد الحافظ، مدونة الجزيرة، مقال الحضارة المفقودة ↑
- Adam Schofield, Made to think with Ninjam, Podcast with Christopher Dunn (2024), https://open.spotify.com/episode/2htWm9WJB84CXP0eN3dgUU ↑
- شادي عبد الحافظ، مدونة الجزيرة، مقال الحضارة المفقودة ↑
- أحمد عدلي، سلسلة الحضارة المفقودة، حلقة 4 المسلات ↑
- Ian Lawton, Giza – the truth (2002), p.172 ↑
- أحمد عدلي، سلسلة الحضارة المفقودة، حلقة 5 توابيت السرابيوم ↑
- مارييت، كتاب سرابيوم ممفيس (1882)، صـ 114 ↑
- Dodson, Aidan (2005). “Bull Cults”. Divine Creatures: Animal Mummies in Ancient Egypt. pp. 72–102. ↑
- مارييت، كتاب سرابيوم ممفيس (1882) ↑