عام 1830 رأى العالم الفرنسي شامبليون أن عصر الأسرة الأولى بدأ عام 5867 ق.م .. بعدها قام العالم الألماني المعروف كارل ليبسيوس بتحريك ذلك التاريخ إلى 3892 ق.م .. أوجست مارييت مؤسس المتحف المصري أعادها إلى عامـ 5004 ق.م .. قام زميله د. بروجش بتغييرها إلى 4400 ق.م بناء على قاعدة بسيطة جدا وهي اعتبار أن في 3 أجيال كل 100 سنة .. واستقر الآثريين على الرقم الأخير لفترة حتى عام 1940، ثم تغيرت إلى عام 3100 ق.م .. في النهاية أصبح تاريخ 3200 ق.م تقريبا هو التاريخ الذي يتداوله حاليا معظم الأثريين كتاريخ لبدء الحضارة المصرية بتوحيد المملكتين على يد الملك مينا نعرمر مؤسس الأسرة الأولى.
الأرقام والتقديرات فيها تفاصيل كثيرة يطول شرحها، لكن في مجملها عبارة عن خليط من فهم النصوص التوراتية والانجيلية، وحساب سنين الحكم وأعمار الملوك والأنبياء وتخمينات وتقديرات تختلف من شخص لآخر وربما ضغوط من مؤسسات وجهات أُخرى.
في المتحف المصري بمدينة تورين بإيطاليا توجد واحدة من أهم البرديات، حصل علي تلك البردية الرحالة الإيطالي دروفتي في أوائل القرن 19، ولا يُعرف بالتحديد هل تهشمت قبل أو بعد اكتشافها، ثم نقلها إلى إيطاليا حيث وُضعت في متحف تورين. البردية كانت تحتوي على أكثر 340 اسم من ملوك مصر، وتحت كل منهم عدد سنوات حكمه وتبدأ بعصر يُسمى عصر الآلهة بمقدار 7000 آلاف عام ، وتنتهي عند الأسرة 18 1، ومن هنا أرجعوا عُمر البردية إلى الأسرة 19. ولو كانت سليمة لكانت أهم وثيقة تؤرخ للتاريخ المصري. ومما يُثير التساؤل هو ما الذي يعنيه عصر الآلهة ؟ .. لا ريب أنهم عندما دونوه لم يكونوا يعنون وجود اللا شيء، أو رجال الكهوف، بل كانوا يوثقون لحقبة ما.
وذكر د. سليم حسن أن البرقية ذكرت عدد كبير من الملوك النكرات الذين لا نعرف عنهم شيئا إلا أن تمزق البردية حال دون معرفة تفاصيل أكثر عنهم، لكن نقلا عن هيرودوت الذي نقل عن كهنة مصر، أن الـ 340 ملكا قد حكموا 11340 عاما وقبل تلك الأعوام كان يحكم الآلهة مصر.
نقل عن يوسابيوس القيصري فإن مانيتون ذكر 3 حقب وهم المبجلون، وأتباع حورس، وملوك العهد، بمجموع 28927 سنة، لدرجة أن يوسابيوس شكك في رواية مانيتون وقال أنه بالتأكيد كان يقصد شهرا وليس سنة (أي 2400 سنة تقريبا) 2
أما رواية ديودورس الصقلي فقد أعطى 33 ألف سنة قبل الملك مينا نعرمر نقلا عن مانيتون أيضا 3
ما ذكرنا سالفا ليس سرا، لكنه مما يقوم الأثريون بتجاهله، وعدم إعطاءه ما يستحق من اهتمام ..إنما يُذكر في كتب الآثار على سبيل المعلومة، لكن لا يتم دراسته بأي شكل، ويتم في الصفحة التالية مباشرة بالحديث عن مينا كأول سطر في التاريخ المصري
من هم المُبجلون ؟ .. من هم أتباع حورس ؟ .. ومن هم ملوك العهد ؟ .. لا يوجد أي إجابة لأنه لا اعتراف أصلا بوجود تلك الحقب. فالتاريخ يبدأ دائما من عند 3500 ق.م. وليس من المسموح أن يزيد عمر التاريخ عن 6000 سنة، وبما أن مصر أقدم الحضارات الإنسانية، فإنه قد تم بالتالي جمع كل أحداث الحضارات العالمية والأمم والأنبياء والملوك وحشرهم في فترة 3500 سنة، وهو ما يذكرني بالقول الساخر عن العائلة التي تركت الشقة كلها ليجلسوا في غرفة
وإذا كان هناك اختلاف بين من نقل عن مانيتون بسبب سهو في النقل أو إبداء الرأي الشخصي أو اختلاف التقويم، لكن ما لا شك فيه أن هناك عصور كاملة من التاريخ المصري ما زالت مدفونة تحت الركام، وأن عُمر الحضارة لا يقل عن 15 ألف عام بأي حال، لاحظ أن النظريتين الحديثتين في حساب عُمر الأهرام فلكيا وأبو الهول جيولوجيا تتفق تماما مع هذا التاريخ، أي قبل 10 ألاف سنة ق.م
لصالح من تم حذف عصورا كاملة من تاريخ الحضارة المصرية وإنزال عُمرها إلى 3 آلاف عام فقط ؟
لذلك نقول أن التاريخ المصري ما زال غامضا وأن العصور الأهم من تاريخ الحضارة المصرية ما زالت مجهولة حتى الآن
—————————————————–
المصادر :
- موسوعة الدكتور سليم حسن، الجزء الأول، صـ 127
- مصر الفرعونية، دكتور أحمد فخري، صـ 57
- كتاب Schwaller de Lubicz Sacred Science – صـ 87
- تاريخ ديودورس، الجزء الأول، صـ 44